الخميس، 15 أكتوبر 2009

التفكـير البنـائى


عن بحث مقدم
من
أ.د. صفاء يوسف الأعسر،
أستاذ بكلية البنات بجامعة عين شمس
بعنـوان: "التفكـير البنـائى"

إلى
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، مشروع تنمية أساليب التفكير لدى الطلبة فى التعليم قبل الجامعى
2002
المدخل البنائى للتعلم

التعـلم البنائـى:
نظرية فلسفية فى بناء المعرفة ترجع الى القرن الثامن عشر ، ولها تطبيقات حديثة نسبية فى مجال التعليم ، وبرغم قيمتها النظرية والتطبيقية إلا أنها لم تحظ بعد بما يناسب قدرها من النشر العلمى والبحث التطبيقى فى المجتمع المصرى على الأقل ولكنها نظرية راسخة لها ممارسات تطبيقية ذات قيمة كبرى فى العالم الغربى .

وتعنى ببناء معرفة الإنسان بعالمه بما يمكنه من فهمه أى خلق معنى له، ويتفاعل مع عناصره المتشابكة والمتغيرة، وذلك من خلال صياغاتها فى بناءات تتعدل باستمرار نتيجة تفاعله مع هذا العالم، ومن هنا تكتسب قضية تجديد التعليم أولوية فى المجتمع وتجديد التعليم وراء حركة التطور الحضارى بكل ما يحمله من إيجابيات وسلبيات، إيجابيات التقدم العلمى والتكنولوجى، وسلبيات الصراعات السياسية والاقتصادية وعدم المساواة فالإنسان فى حركة تقدمه يخلق من المشكلات ما يفوق قدرته على حلها. فى هذا الاطار ظهرت مفاهيم كالتنمية البشرية، ورأس المال البشرى، وجودة الحياة، والتعلم مدى الحياة، والبحث عن الموهبة، وتنمية الإبداع .

الأهــداف:
- تنمية ما لدى التلاميذ من إمكانات عقلية ووجدانية واجتماعية إلى أقصى حدودها.
- ترتكز مهامها على بناء المعرفة وليس على نقل هذه المعرفة.

المسلمـات:
ترتكز البنائية على المسلمات التالية:
1. قدرة التلاميذ على تنمية ما لديهم من إمكانات عقلية ووجدانية واجتماعية بما يمكنهم من التفكير المنتج والتعلم مدى الحياة.
2. التفكير والتأمل في المقررات الدراسية يعمق المعرفة مما يسهم في تعديل البناء المعرفى وتنميته.
3. من خلال تنمية التفكير وتنمية العمليات العقلية يخلق المتعلم معنى تنتظم من خلاله المواد الدراسية
وتتكامل.
4. توجد مستحدثات علمية أثرت فى نظريات التعليم والتعلم مثل دراسات المخ البشرى (قابلية الوظائف العقلية للتعديل والنمو).
5. تراجع النظرية السلوكية وظهور نظريات البناء العقلى والنمو العقلى (بياجيه وفيجوتسكى)

عوامل ظهور النظرية البنائية:
1. ظهور النظريات المعرفية التى تركز على المعلومات العقلية وعلى عمليات بناء المعرفة.
2. عدم فصل النظريات المعرفية بين ما هو عقلى وما هو وجدانى حيث إن مراكز الذاكرة
ومراكز الخيال فى المخ ذات صبغة وجدانية.
3. تعظيم دور الدوافع والاتجاهات وحب الاستطلاع والتفاعل الاجتماعى باعتبارها عوامل معرفية
فى ذاتها، وليس باعتبارها عوامل مستقلة تيسر التعلم أو تعوقه (التعلم التعاونى) .
4. تراجع حتمية الموارد الطبيعية وتقدم الموارد البشرية، باعتبار أن رأس المال القومى هو
العلم والمعرفة التى تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة .
5. المعرفة فى العصر الحديث مركبة، يتطلب اكتسابها عمليات معرفية عليا تيسر إدراك تلك
العلاقات المتشابكة وتكسبها معنى .
6. تحول أهداف التعليم من تعليم محافظ تنتقل فيه المعرفة ذات الاستقرار النسبى من جيل إلى جيل
إلى تعلم يسعى لتنمية الإمكانات المعرفية والوجدانية والاجتماعية، بما يمكن المتعلم من تحصيل
هذا التفجر المعرفى المستمر والمتجدد من خلال التعلم الذاتى والتعلم مدى الحياة .

تنظيم البناء المعرفي:
هناك عمليتان تنظمان البناء المعرفي للطالب:
- تحصيل الخبرة الجديدة بما تحتويه من عناصر .
- البحث فى البناء المعرفى القائم على ما يشابهها أى على ما يحمل نفس المعنى، وهنا يعيد الطالب
بناء المعرفة من خلال خلق العلاقات بين البناء المعرفى القائم والخبرة الجديدة.

ولكى نوضح هذه المفاهيم نقدم المثال التالى:
من خلال تفاعل الطفل مع بيئته يكون بناءات ينظم من خلالها عناصر البيئة، ويدرك من خلالها البيئة أيضاً. فإذا أخذنا مثالاً على بناء الطفل المعرفى عن "الماء" فهو يشربه، ويغتسل به، ويروى به الزرع .. ومن خلال هذا البناء يتعامل الطفل مع الماء، فى أى موقف وفى أى مكان أو زمان طالما أن الماء له الصفات التى يضمها البناء المعرفى للطفل، وهذا ما يعنيه بياجيه "بالتمثل" وهو إدراك الخبرة الجديدة فى إطار البناء المعرفى الخاص بها. نفرض أن الطفل ذهب إلى البحرلأول مرة، حيث الماء مالح، وهنا يتعارض الواقع "ملوحة الماء" مع البناء المعرفى "أنه صالح للشرب" وهذا التعارض يؤدى إلى "اختلال التوازن"، ولكى يستعيد الطفل توازنه وهو أمر حيوى للطفل ، عليه أن يعيد بناءه المعرفى فيما يختص بالماء فيعدله كالآتى:
الماء قد يكون صالحاً للشرب وقد يكون غير صالح ، الماء قد يكون عذباً أو مالحاً ، وهذه العملية هى عملية "المواءمة" حيث يتعدل البناء المعرفى من خلال تفاعله مع الخبرات الجديدة، فيتعدل إدراك الطفل للواقع ، ويتعمق فهمه له .

ويترتب على ذلك:
- تعديل فعلى فى معنى العالم أى فيما يصدر من المتعلم من أفكار واتجاهات وسلوك .
- المعرفة التى تنتظم فى البناء المعرفى لا تكتسب معنى لدى المتعلم فهى معرفة هشة لا تعدل
البناء المعرفى ولا تنميه.
- التعلم البنائى ذاتى وشخصى يقوم المتعلم فيه بدور إيجابى لخلق علاقات جديدة بما لديه
من خبرات ومعارف واتجاهات وقيم وبين الخبرة الجديدة.

مبادىء البنائــية:
ارتباط التعليم بحاجات التلاميذ واهتماماتهم:
يرتبط هذا المبدأ بجوهر بناء المعرفة ، فالتلميذ يحمل إلى المدرسة كل خبراته السابقة الشخصية والتعليمية ، فهى رصيده الذى تكتسب الخبرات الجديدة معناها من خلاله. فإن المعلم البنائى يكرس جانباً كبيراً من وقته وجهده لمساعدة التلاميذ على إدراك أهمية ما يدرسونه. إن التعليم والتعلم البنائى يحقق التوازن بين حقوق المعلم وحقوق المتعلم ، فلا يخضع المعلم لرغبات التلاميذ فيستبعد من المقرر ما يقع خارج دائرة اهتمامهم فيفرغ المقرر من معناه ، ومن نفس المنطلق يدرس لهم مادة دون أن يساعدهم على إدراك قيمتها وأهميتها .

تشجيع التلاميذ على التعبير عن أرائهم:
حين تقدم المفاهيم الكلية يصل المتعلم للمعنى من تحليلها إلى جزئيات – فى أثناء التحليل يدرك المتعلم العلاقة بين المفهوم الكلى الذى بدأ منه والجزئيات التى توصل إليها بالتحليل. وفى هذا التحليل خلق بناء جديد وفهم جديد للمفهوم الكلى وللجزئيات – على عكس ما يحدث حين يقدم المعلم جزئيات منفصلة يجد المتعلم صعوبة فى إدراكها إدراكاً كلياً.
إن معظم المناهج التقليدية تنشغل بتحليل الظواهر إلى جزئيات تعتبرها جوهر المعرفة، مفترضة فى ذلك أن التلاميذ قادرون على التوصل للكليات من الجزئيات، وهذا لا يحدث فى الواقع، فيظل المقرر جزئيات متناثرة يتوقف عندها التلاميذ ويركزون عليها، ويحفظونها كما هى دون أن يتوصلوا منها إلى المفاهيم الكلية.

ونعرض بعض المفاهيم الأساسية مثل:
السبب والنتيجة – الطاقة والمادة – الزمن والقياس

نموذج آخر للمفاهيم الكبرى تضم علاقات قطبية تدعو التلاميذ لمناقشتها مثل:
الفرد والجماعة، الخيال والواقع، الحرية والمسئولية، الموضوعية والذاتية، الثبات والدينامية.
يسعى المعلم والتلاميذ لتعميق تلك المفاهيم من خلال وحدات المقرر، فيكون البحث مثلاً عن السبب والنتيجة سواء فى الظواهر الطبيعية أو التاريخية أو الأدبية.
ترى النظرية البنائية أن مسئولية التعليم والتعلم مسئولية مشتركة بين المعلم العناصر الأخرى، أما المعلم فهو مسئول عن توفير بيئة تعليمية تسمح للتلاميذ بممارسة حقوقهم فى التعليم، وييسر المعلم للتلميذ مناخاً يسمح له باستكشاف نفسه والوعى بإمكاناته واستكشاف عالمه بالبحث عن الحقائق والخبرات الجديدة والتفاعل مع الآخرين، فالمعلم وسيط نشط بين المتعلم وبيئته، وبين المعلم وزملائه، الوسيط عامل ميسر وليس عامل محدد مطلق.

بناء المقرر حول مفاهيم أساسية كلية:
إن سعى المعلم لفهم رؤية التلميذ لنفسه ولعالمه مبدأ أساسى فى النظرية البنائية؛ حيث لا تنفصل الخبرات الجديدة عن الخبرات القائمة إن إثارة دافعية التلاميذ للتعلم، وهذا مبدأهم فى تصميمه للمهام التعليمية، وبدون هذا الفهم يحول المعلم التلاميذ إلى كتلة واحدة أو قالب واحد، سواء فى تدريسه لمادته أو لتوقعاته لأدائهم ... مما يحرم الكثيرين منهم من فرص التميز ، وقد يعرض الكثيرين منهم لمخاطر صعوبات التعلم أوالتخلف الدراسى .
يتفق المبدأ الثالث مع مفهوم النسبية باعتبارها قانونًا ينظم حقائق الحياة ويفسرها، ونعنى فى هذا الصدد الاعتراف بأن الأشياء والأفكار والأحداث تحتمل وجهات نظرمتعددة وأن أهميتها ليست مطلقة بل نسبية أيضاً، فما يراه شخص ماذا أمراً أهمية قصوى قد يراه آخر محدود الأهمية بل عديم الأهمية.
إن إتاحة الفرصة للمتعلم أن يعبر عن آرائه أو أن يتأمل ما يسمعه، ويكون بشأنه رأياً قد يتفق أو يختلف، ويعرض رأيه، ويستمع إلى الرأى الآخر، هذه العمليات تساعد التلميذ على فهم ذاته وفهم أرائه وتأمل هذه الآراء على ضوء معايير الخبرات الجديدة فى مناخ يتسم بالاحترام فيدعمها أو يعدلها، أو يغيرها وفى كل الأحوال فإنه ينمى بنائه المعرفى .
إن أحد أدوات المعلم الأساسية طرح الأسئلة التى تدعو التلميذ للتفكير، وسوف نعطى مثالاً لسؤالين؛ الأول سؤال سطحى، والثانى سؤال ينشط التفكير.

السؤال الأول: اذكر فصول السنة.
السؤال الثانى: لماذا تتغير فصول السنة وكيف تؤثر فى حياتنا؟

نلاحظ أن السؤال الأول لا يحتمل إلا إجابة واحدة صحيحة سبق أن حفظها التلميذ ولا تتطلب إدراك علاقات جديدة، ولا تضيف معنى جديدًا، ولا تعدل البناء المعرفى، أما السؤال الثانى فيتطلب كل هذه العمليات، فهو يتطلب فهم التلاميذ للعلاقة بين الأرض والشمس، إن اختيار المعلم لنوعية الأسئلة يرتبط بأهدافه فى التعليم، فإذا كان الهدف النجاح فى امتحانات تقيس المعلومات الجزئية فإن الأسئلة من النوع الأول تكفى لتحقيق الهدف، أما إذا كان الهدف تعميق فهم التلاميذ للعالم ولتعديل البناء المعرفى بالتفاعل بين الخبرة السابقة والخبرة الجديدة فالأسئلة فى النوع الثانى هى الأداة المناسبة.
إذا كانت الأسئلة الثرية أحد الأدوات الهامة فى تنشيط التفكير، فإن اتاحة الفرصة للتلاميذ أن يضيفوا تفاصيل جديدة
للإجابة، يعتبر أداة جيدة أخرى لتحقيق نفس الهدف. وإن كان الشائع أن يكتفى المعلم بما يذكره التلاميذ طالما أن
الإجابة صحيحة وسابقة التجهيز، أما إذا طلب المعلم من التلميذ مزيداً من التفاصيل فإن هذا يعنى أن الإجابة بها قصور بصورة ما.
يختلف التوجه فى المدرسة البنائية حيث تعتبر مطالبة التلميذ بمزيد من التفاصيل أحد صور التحدى الأمن، الذى ينشط دافعية التلاميذ لمزيد من التأمل أو مزيد من البحث عن العلاقات غير المألوفة، وقد يدعوهم إلى توجه مختلف أو النظر من زاوية مختلفة، أو يدعوهم للبحث عن معلومات جديدة تعبر عن مطالبة التلميذ بمزيد من التفاصيل عن اهتمام المعلم بالتلميذ وبالموضوع، بل وتعبر عن إعجابه وثقته.

تطويع المقرر لإمكانات التلاميذ العقلية والوجدانية والاجتماعية:
تنشط عمليات التعليم والتعلم حين تتواءم متطلبات النجاح فى المقرر التعليمى مع إمكانات التلاميذ، وهذا يعنى وجود علاقة بين متطلبات المقرر وما يحمله التلميذ من خبرات واستعدادات. ولذلك فإن هذا المبدأ يعنى مسئولية المعلم عن تطويع المقرر تبعاً لحاجات التلاميذ، بحيث يخاطب ما لديهم من خبرات واتجاهات وتوقعات. فإن أخفق المعلم فى تحقيق هذا المبدأ فقد أفرغ المقرر من معناه بالنسبة للتلاميذ وحوله إلى عبء ثقيل.
نشأ هذا المبدأ من نظرية المعرفة " لبياجيه " وغيره ممن اهتموا بدراسة النمو المعرفى، والتى تتفق على أن أداء التلاميذ يتغير بتقدمهم فى مراحل النمو المختلفة، وأن لكل مرحلة خصائص معرفية تميزها عن سابقتها وما سوف يليها. ويتحدد أداء التلميذ فى كل مرحلة بتفاعل خصائص المرحلة البيولوجية مع خبرات البيئة المتاحة.
فمراحل النمو متداخلة والعمليات المعرفية تفوق فى تفاعلها وتركيبها ما ذكره " بياجيه " أو غيره من علماء النمو، والفروق بين التلاميذ حقيقة مؤكدة ليس فقط فى امتلاكهم لخصائص مرحلة بعينها، بل وفى أسلوبهم فى التعبير عن هذه الخصائص، وأهم من هذا أن المعرفة الحديثة أكدت قابلية المخ للتعديل والنمو، كما أكدت نوعية الأداء بمعنى أن التلميذ الذى يستطيع أن يستخدم عملية عقلية مثل التجريد أو الاستدلال فى أداء مهمة تعليمية ما، قد لا يستطيع استخدامها فى أداء مهام أخرى. وبنفس المنطق فإن فشل التلميذ فى توظيف عملية عقلية ما فى موقف تعليمى معين، قد لا يعنى فشله فى جميع المواقف المشابهة، ذلك أن العوامل المؤثرة فى الأداء عوامل مركبة.
فالمعلم فى الفصل البنائى فى حالة تفاعل مستمر مع تلاميذه، وفى حالة تعديل مستمر للمادة التى يقدمها، وللأسلوب الذى يقدمها به، فمن خلال التفاعل يتبين المعلم البنائى أوجه القوة وأوجه القصور لدى تلاميذه فيعدل أداءه لتوظيف القوة ومعالجة القصور.

دمج قياس التعلم داخل عملية التدريس:
القياس التربوى عنصر أساسى فى عملية التعليم والتعلم وهناك من يرى أن القياس مدخل لاصلاح التعليم، والقياس يأتى بعد انتهاء المعلم والمتعلم من وحدة تعليمية أو أكثر بهدف الاطمئنان إلى أن التلميذ قادر على الإجابات الصحيحة التى تضمن له النجاح، وفى هذه الحالة يتراجع التفكير بكل صوره وتصبح المعلومة الجاهزة هى الهدف الأعلى للمعلم والمتعلم
هذا النوع من القياس يتعارض مع مبادئ النظرية البنائية حيث يتطلب هذا النوع من القياس توجيه عملية التعليم والتعلم نحو التدريب على الإجابات الصحيحة فى الامتحان، وهذا يتناقض مع البنائية التى توجه عملية التعليم والتعلم نحو تعديل وتطوير البناء المعرفى للتلاميذ من خلال التفاعل مع الخبرات التعليمية الجديدة.




القيـاس البنائـى:
يهدف القياس البنائى لتقدير مدى فهم المتعلم لعالمه، ومدى تمكنه من تعديل خبراته السابقة وإعادة تنظيمها نتيجة لتفاعلها مع خبراته الجديدة.
والقياس البنائى له وظيفة تشخيصية، حيث يستخدم المعلم القياس للتعرف على أوجه القوة والقصور فى فهم المتعلم لخبرات التعلم الجديدة، وتنظيمها فى بنائه المعرفى، ومن هذه الوظيفة التشخيصية يعدل المعلم خطته لتناسب حاجات المتعلم، القياس البنائى لا يهدف إلى تصنيف التلاميذ أو ترتيبهم، إنما يهدف إلى تعميق فهمهم لعالمهم من خلال التعرف على أوجه القوة والقصور لديهم.
بعض الخصائص الأساسية للقياس البنائى:
1- القياس البنائى عملية تفاعلية لا ينفصل فيها القياس عن التعليم والتعلم، ولا ينفصل فيها دور التلميذ
عن دور المعلم وإن احتفظ كل منهما بمهام دوره. فالمعلم وسيط ييسر، والتلميذ متعلم نشط وفاعل .
فى هذه العلاقة التفاعلية يصمم المعلم المهام التى يقيس من خلالها مدى فهم المتعلم للخبرة الجديدة، ومدى تمكنه من خلق العلاقات بينها وبين بنائه المعرفى، وما ترتب على ذلك من تمثيل هذه الخبرة لديه.

ويقترح البنائيون مواصفات لتلك المهام نذكرها فيما يلى:
 مهـام مركبة أى تحتمل عدة بدائل لانجازها .
 مهـام تستثير اهتمام المتعلم .
 مهـام تتحدى إمكانات المتعلم دون تهديد .
 مهـام من واقع حياة المتعلم ولديه معلومات أساسية عنها .
 مهـام يمكن الحكم على معالجتها باستخدام محكات علمية تقدم للمتعلم .

من أمثلة هذه المهام ما يلى: مهمة لقياس مفهوم البيئة والتلوث البيئى

توجد قطعة أرض فضاء بجوار المدرسة، وقد قرر بعض المستثمرين أنها تصلح لإقامة محطة لخدمة السيارات وعليه قاموا بشرائها. وقد اعترض أهالى الحى على ذلك لما تسببه محطة الخدمة من تلوث، ودافع المستثمرون عن مشروعهم على أساس أنهم سوف يراعون شروط البيئة. عليك أن تقرر ما إذا كنت تتفق مع أهل الحى أم مع المستثمرين، وأن تجد زميلين يتفقان معك فى الرأى، وعلى ثلاثتكم أن تجمعوا بيانات عن التلوث الذى يمكن أن تسببه محطة الخدمة، ثم تعدوا نشرة صغيره تقوموا بتوزيعها فى المدرسة وفى الحى كى تكسبوا أصواتاً جديدة لقضيتكم ويتطلب ذلك أن تدعموا رؤيتكم بالأدلة والحجج، وعليكم أن تكتبوا التماساً وتجمعوا توقيعات من يتبنى قضيتكم، ويتبع ذلك تقديم الالتماس مع النشرة إلى لجنة التخطيط.
2- يشجع القياس البنائى النقد الذاتى والتقييم الذاتى ويعتبره عنصراً أساسياً فـى بناء المعرفة، ومن خلال التقييم الذاتى يتعلم التلميذ أن يتأمل تفكيره، وأن يضع محكات لتقييم ايجابياته وسلبياته، وأن يعدله على هذا الأساس.
ولأن التقييم الذاتى عملية مقصودة لها ضوابط ومحكات فإن المعلم البنائى يقوم بتدريب التلاميذ عليها ، وفيما يلى بعض المقترحات التى تساعد المعلم فى تصميم هذا التدريب:
 يتم تدريب التلاميذ على وسائل متعددة.
 يتاح للتلاميذ الفرصة لممارسة تلك الوسائل واختيار ما يناسبهم منها .
 لا يقتصر التقييم الذاتى على مواقف معينة أو مهمة بعينها وإنما يصبح عنصراً دائماً فى
عملية التعلم .

أدوات التعـلم البنـائى:
أسئلة المتعلمين التى تكشف عن جوانب الاهتمام لديهم والرغبة فى المعرفة وأسئلة المعلمين التى تنشط التفكير، وتساعد التلاميذ على إدراك التعارض فيما يقولونه، ومساعدتهم على توضيح أفكارهم وطرح تساؤلات حول ما يبدو غامضاً لديهم، وتقديم الدليل على صدق إجابتهم.
أخطاء المتعلمين تعد خطوات طبيعية على طريق النمو وتحقيق الفهم وفى الفصل البنائى يعتبر المعلم الإجابة
الخطأ مدخلاً لتشخيص فهم التلميذ للمادة، ويترتب على هذا التشخيص تعديل المعلم لمسار التعليم .
نظرية كين وكين "تعلم أساسه المخ"

فيما يلى سوف نعرض باختصار للمبادىء الاثنى عشر وتطبيقاتها فى التعليم والتعلم.

المبدأ الأول: "المخ نظام تواؤمى مركب" :
يقصد بهذا المبدأ قيام المخ بوظائف متعددة وأنشطة متنوعة فى آن واحد ، هذه الوظائف تتفاعل فيها الأفكاروالانفعالات والخيال (نشاط داخلى) مع معطيات البيئة فتتعدل بها وتعدل فيها .

كيف نوظف هذا المبدأ فى نظام التعليم ؟
التعليم الجيد يخاطب الجوانب المختلفة أو الوظائف المختلفة أو الأنشطة المختلفة التى يقوم بها المخ، يخاطبها فى تناغم وتكامل وتناسق. ولكى يستطيع المعلم أن يقدم هذا التعليم الجيد لابد أن يكون على علم بطبيعة نشاط المخ، وما يميزه من تركيبية وتعددية، ولابد أيضاً أن يكون لديه علم واسع وحصيلة ثرية من الوسائط التعليمية والأساليب والمناهج المتنوعة حتى يستطيع أن يخاطب التنوع بين المتعلمين، والتركيبية والثراء والتعددية داخل كل متعلم. فالمعلم الذى لديه خطة واحدة يلتزم بها فى تحقيق هدف هزيل، لا ينشط مخ المتعلم ولا يتيح له فرص النمو، أما المعلم الجيد فيمتلك ناصية المعرفة، ولديه بدائل متعددة يختار منها ما يحقق أهدافه وأهداف المتعلمين.

المبدأ الثانى: "التعلم يشغل الجهاز الفسيولوجى العام للمتعلم" :
التعلم يشغل المخ، والمخ جهاز فسيولوجى يعمل تبعاً لقواعد فسيولوجية، والتعلم من هذه الرؤية عملية طبيعية مثل التنفس، ولكن هناك عوامل تيسر القيام به وعوامل أخرى تعوقه. ويرتبط نشاط المخ بإدراكه للخبرات التى يتعرض لها وبالتفسير الذى يعطيه لها.

كيف نطبق هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟
من هذا المنطلق فإن كل ما يؤثر فسيولوجياً على المخ يؤثر على التعلم: "التغذية، والتوتر، والأمن، والصحة العامة ... إلخ"، كل هذه العوامل وغيرها يجب أن تؤخذ فى الاعتبار فى بناء نظام التعليم والتعلم، وحيث إن بين المتعلمين فروقاً واختلافاً فى هذه العوامل الفسيولوجية فلابد من مراعاة هذه الفروق فيما نقدمه لهم من مهام تعليمية وما نتوقعه منهم من نتائج. إن توحيد المهام والوسائط والتقييم أمر لا يستند على أساس علمى، وفى نفس الوقت لا يستقيم مع مبدأ تكافؤالفرص .
ففى ضوء هذا المبدأ يجب مراعاة الفروق بين الأفراد فى كل ما يمكن أن يؤثر على المخ ويؤثر بالتالى على التعلم.
المبدأ الثالث: "البحث عن معنى أمر فطرى فى الإنسان" :
يقصد بالبحث عن معنى إيجاد علاقة بين الخبرات التى يتعرض لها الإنسان، ترتبط بحاجته وقيمه واتجاهاته، ولذلك فالإنسان يبحث عن معنى يساعده على التعامل مع البيئة والتأثير فيها.
لماذا يبحث المخ عن معنى لمعطيات البيئة ؟ لأن المعنى يساعده على الحفاظ على حياته، فهو يسعى لما يعرفه؛ لأن ما يعرفه له معنى مستقر لديه، يرشده فى التعامل مع معطيات البيئة، وفى نفس الوقت يسعى لما لا يعرفه؛ لأن ما لا يعرفه له معنى جديد يشبع حاجة المخ فى البحث عن المجهول، أو حاجة المخ للاستطلاع والاكتشاف، هذه الوظيفة الثنائية تلازم المخ طوال ساعات اليقظة.

كيف يطبق هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

لا بد أن يتوفر فى البيئة التعليمية عناصر الألفة والثبات، وهو ما يتحقق فى الروتين اليومى، ولكن لابد أيضاً أن يتوفر فيها ما يشبع حاجة المخ للتجديد والاكتشاف وحب الاستطلاع – فلابد أن تحمل المهام التعليمية ما يستثير المخ لخلق معان جديدة – بقدر ما تكون هذه المهام قريبة الشبه بمواقف الحياة وما تحمله من تنوع وتحديات، بقدر سعى المخ لخلق معنى، هذا السعى الذى يثرى المخ ويدرب المتعلم علـى توظيف العمليات العقلية العليـا ... هوالهدف النهائى للتعلم .

المبدأ الرابع: "يتم البحث عن معنى من خلال خلق أنساق (نماذج)" :
النسق أو النموذج هو تنظيم المعلومات أو الأفكار أو الخبرات وتصنيفها تبعاً لمبادئ معينة أومرجعية معينة أو معنى معين، فالمخ يتمتع بخصال العالم المحلل وفى نفس الوقت بخيال الفنان المبدع الخلاق، فهو يسعى لفهم واستقبال الأنساق أو النماذج التى تقدم إليه، وفى نفس الوقت يخلق لنفسه أنساقاً ونماذج ذات معنى خاص به، فإذا كانت الأنساق المقدمة إليه لا تحمل له معنى خاصاً به فإنه لا يستطيع أن يقبلها، ولا يستطيع أن يجد لها مرجعية خاصة لديه، النسق الغفل من المعنى يتمثل فى المعلومات والحقائق والمبادئ التى تفرض على التلميذ متناثرة معزولة عن بعضها البعض وعن حياة التلميذ واحتياجاته .


كيف يطبق هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

التعليم الجيد يوظف طاقة المخ الطبيعية لخلق النظم أو لخلق الأنساق التى تتكامل فيما بينها حول معان لها مرجعية لدى التلاميذ؛ هذا النوع من التعليم يؤدى إلى تحقيق التكامل بين المقررات المختلفة، بحيث تنتظم حول معان كبرى لها جذور فى البناء المعرفى المستقر لدى التلميذ من ناحية، ولها ارتباط بمطالب الواقع من ناحية أخرى؛
وإذا استطاع نظام التعليم أن يوظف هذا الميل الطبيعى للمخ لخلق أنساق ذات معنى؛ فقد يتغلب على صعوبات كثيرة فى التعليم والتعلم.
المبدأ الخامس: " الوجدان (العواطف) مكون حاسم فى خلق الأنساق":
المخ مركز العمليات العقلية والوجدانية، بل نستطيع أن نقول إن العمليات العقلية لها بطانة وجدانية لا تنفصل عنها، وأساس ذلك أن وظائف الذاكرة، وهى عماد المعرفة، تتأثر بالحالة الوجدانية (الانفعالية) سواء فى تخزين المعلومات أو حفظها أو استدعائها .

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

التعليم الجيد يراعى البناء الوجدانى للمتعلمين إذ أن مشاعرهم، وحاجاتهم، ومخاوفهم تؤثر فى عملية التعلم؛ والفصل الدراسى الذى يسوده التوتر يصعب فيه التعلم الجيد؛ إن الاحترام المتبادل بين التلاميذ بعضهم البعض وبينهم وبين الهيئة التعليمية عامل حاسم فى نجاح نظام التعليم.

المبدأ السادس: يتم نشاط المخ فى التحليل والتركيب فى آن واحد" :

يتكون المخ من شقين الأيمن والأيسر، لكل منهما وظائف معينة، ولكن هذا لا يعنى أن الشقين منفصلان؛ بل هما متكاملان وفى اتصال دائم، بمعنى أنهما (الشقين) يقومان بنشاط مختلف فى طبيعته، ولكنه متأن ومتكامل من أجل إنجاز المهام المختلفة. فيقوم الشق الأيسر بتحليل المهام إلى عناصر، فى حين يقوم الشق الأيمن بالإدراك الكلى ... ولنوضح ذلك، عند قيام التلميذ بقراءة قصيدة، يقوم الشق الأيسر بفهم المفردات ومدى اتباع القصيدة للقواعد الأدبية، ويقوم الشق الأيمن بإدراك المعنى العام أو تصور ما تعبر عنه القصيدة متجاوزاً الأجزاء، هذا التكامل والتأن أمر طبيعى فى نشاط المخ.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

يحتاج المتعلم لإدراك الجزئيات والكليات معاً، فإن أغفل الجزئيات، أو أغفل الكليات، واجه صعوبة فى التعلم – الجزئيات والكليات بينهما تفاعل ، فالأجزاء لا تفهم إلا فى إطار الكل، والكل لا يكتسب معناه إلا من خلال الأجزاء – وينطبق هذا على القوانين والمعادلات والمبادئ العلمية ، ولذلك فالتعليم الجيد لابد أن يحقق التوازن بين وظائف الشق الأيمن والشق الأيسر، حيث إن التأكيد على المعلومات الجزئية دون إتاحة الفرصة للمتعلم للانطلاق وتجاوز قيود الجزئيات يعنى هدر طاقة طبيعية هامة من طاقات المخ.
المبدأ السابع: "ينصب التعلم على ما يقع فى بؤرة الانتباه وما يقع فى هامش الانتباه" :

يكتسب المخ المعلومات التى تقع فى بؤرة الانتباه ، وكذلك تلك التى تقع فى هامش الانتباه – ونقصد بالهامش البعد عن المركز وليس تهميشاً له – فما يقوله المعلم من قواعد وتعليمات يقع فى بؤرة الانتباه، أما تعبير وجه المعلم: رضا- حماس- فتور، وكذلك نبرات صوته: ثبات – تردد ... الخ فتقع فى هامش الانتباه. وهذه المدركات يستقبلها المخ ويعالجها ويكسبها معنى يؤثر فى عملية التعلم.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

إذا كان المخ يستقبل كل ما يقع على حواس المتعلم ويكسبه معنى سلبياً أو إيجابياً، فلا بد من الاهتمام ببناء مناخ التعليم بحيث يحمل للمتعلم معانى إيجابية، حتى وإن كانت فى هامش الانتباه. ومثال ذلك الحرص على النظام والجمال وتجنب الضوضاء ... إلخ، هذا من ناحية المثيرات فى البيئة الطبيعية، أما المثيرات الهامشية الإنسانية فهى ما يقع تحت مظلة الاتصال غير اللفظى، ويشمل نظرة المعلم للتلاميذ، وتعبيره بدون كلمات عن تقبله واحترامه لما يقوله وما يفعله ... إلخ. هذه المعانى تصل إلى المخ بوضوح تام وتؤثر فى عملية التعليم والتعلم.

المبدأ الثامن: " يشمل التعلم عمليات شعورية ولا شعورية " :
تشير بحوث دراسات المخ أن ما نتعلمه يفوق كثيراً ما نعيه، أو ما نعتقد أننا تعلمناه، فوراء وعينا السطحى بما نتعلمه عمليات لا نشعر بها أو لا ننتبه لها، فكل المثيرات الهامشية التى أشرنا إليها عند مناقشة المبدأ السابع تصل إلى المخ دون وعى من المتعلم، وتتم معالجتها والتفاعل معها دون وعى أيضاً – وطالما أنها وصلت إلى المخ فإنها تؤثر فى نشاطه وفاعليته. وهذا ما نقصده بأن ما يصل إلى المخ وما يؤثر فيه يتجاوز المعلومات التى تملى على التلميذ بصورة مقصودة وصريحة، فالتلميذ يتعلم القراءة لأن المعلم يقوم بتدريبه بكل السبل، ولكن فى نفس الوقت قد يكره القراءة لأن المثيرات الهامشية التى تسربت إلى المخ – من رسائل غير مقصودة وغير مباشرة – قد اكتسبت معنى لدى المتعلم دون وعى منه، فأحاطت الموقف بمشاعر سلبية. وهنا يتعلم التلميذ القراءة أو يكره تعلم القراءة – وعلى النظام التعليمى أن يبنى الممارسات التعليمية بحيث تأخذ فى الاعتبار العمليات التى تجرى فى المخ دون وعى المتعلم.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

إن الجهد الذى يبذل فى عملية التعليم والتعلم لا يعود بالفائدة المرجوة؛ لأن التلاميذ والمعلمين لا ينتبهون إلى ما يدور بتفكيرهم أثناء التعلم، وهو النشاط الذى أشرنا إلى أنه يحدث دون وعى المتعلم أو المعلم، فهم لا ينتبهون لعمليات استقبال الخبرات وتحليلها ومعالجتها وإكسابها معنى يتكامل مع خبراتهم السابقة، وهى المعالجة التى أشرنا إليها فى المبدأ السابق باعتبارها خبرات هامشية، والقصور فى الانتباه لهذه العمليات الهامة يضيع على المتعلم فرصة وعيه بما ييسر
أو يعوق عملية التعلم لديه، ولذلك فإن التعلم الجيد يساعد التلميذ والمعلم على الانتباه والوعى بأكبر قدر من هذه الخبرات التى لا تقع مباشرة فى بؤرة الانتباه، وكذلك الوعى بما يدور داخل عقله أثناء التعلم، وهذا ما يمكن أن نعتبره معالجة إيجابية لمهام التعلم، تتمثل فيما يحيط بها من مثيرات يصعب الوعى بها، ولكنها ذات تأثير وفاعلية. وأحد مظاهر هذه المعالجة الإيجابية أن يتبين التلميذ أسلوبه المفضل فى التعلم، كما أنها تتيح للمعلم والمتعلم التأمل فى الخبرات الجديدة وربطها بخبرات أخرى سابقة أو حالية، قريبة الصلة أو بعيدة الصلة مما يجعل ما يتعلمه التلميذ له معنى شخصى.

المبدأ التاسع: "لدى الإنسان طريقتان على الأقل للتذكر":

لدى الإنسان ذاكرة مكانية طبيعية لا تحتاج لتدريب أو مران، وهى التى تتيح لنا تذكر الأشياء التى نراها، كتذكر لقاء صديق بالأمس، وهذه الذاكرة لا تحتاج للتدريب عليها، وهى ذاكرة مجسدة ثلاثية الأبعاد، وكلما زادت خبرات الفرد زاد ثراء ومحصلة هذه الذاكرة. أما الحقائق والمهارات والأفكار فإن المخ يتعامل معها بأسلوب مختلف حيث يتطلب تذكرها التدريب والمران والتكرار، فالحقائق والمهارات والأفكار الجديدة لا ترتبط بخبرات فعلية ولا بخبرات سابقة؛ ولذا فإن المخ يعمل على خلق هذا الارتباط، وكلما ارتبطت الخبرات الجديدة بخبرات سابقة ومستقرة فى الذاكرة، كانت عملية التذكر أيسر.
كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

إن فرض التعلم القائم على التذكر بدءاً من حفظ جدول الضرب ، وحفظ القواعد اللغوية، وحفظ القوانين العلمية ... إلخ أمر له جوانبه الإيجيابية ولكن تعميمه والاقتصار عليه كأسلوب وحيد للتعلم لا يعطى الفرصة للمخ للتأمل وخلق العلاقات بين المعلومات بما يكسبها معنى شخصياً، ويربطها بمواقف الحياة اليومية فييسر توظيفها. إن إهمال خبرات المتعلم الشخصية كعامل أساسى فى خلق معنى لما يتعلمه يؤدى إلى إهمال طاقات المخ فى التذكر ذى المعنى.

المبدأ العاشر: "يجيد المتعلم الفهم والتذكر حين تكون الحقائق والأفكار متضمنة فى الذاكرة الطبيعية" :

ونضرب مثالاً للذاكرة الطبيعية بتعلم الطفل للغة من خلال تفاعله مع البيئة التى تزوده بخبرات تتضمن مفردات اللغة وقواعدها، وبهذا نجد أن تعلم اللغة يتم بالتكامل والتآنى بين العمليات العقلية الداخلية (ما يدور فى عقل الطفل) والخبرات الواقعية الخارجية (كإمساك الطفل بالكرة أو اللعب بها) هذا التكامل بين البناء المعرفى والخبرة الخارجية هو جوهر التعلم على أساس وظائف المخ الطبيعية.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

إن بناء المهام التعليمية بحيث يتحقق للمتعلم التكامل والتآنى بين اكتساب المعرفة عقلياً وواقعياً ييسر التعلم ويضمن خلق معنى لما نتعلمه. ومن أمثلة المهام التعليمية التى تحقق هذا التكامل قيام التلاميذ بمشروعات فعلية تتضمن المفاهيم التى تعلموها مثل الرحلات الميدانية، والتخيل البصرى، والربط بين المقررات التى تدرس منفصلة، وكل هذه الامثلة تقع تحت مظلة التعليم القائم على الخبرة أى المرتبط بخبرات الواقع وفى هذه المهام التعليمية ينغمس المتعلم فى خبرات مركبة متعددة الأوجه ، تتطلب منه تنشيط كل حواسه وخياله ولا يعنى هذا استبعاد المحاضرة كوسيط تعليمى ولكن يعنى عدم الاقتصار عليها أو الاكتفاء بها.

المبدأ الحادى عشر: "يزدهر التعلم بالتحدى الآمن ، ويتراجع بالتهديد":

يتراجع نشاط المخ حين يواجه تهديداً، ويزدهر حين يواجه تحدياً مناسباً، ونقصد بالتراجع أنه حين يدرك المخ موقفاً ما باعتباره موقفًا مهددًا، فإن قدرته على استيعاب الموقف وتحليله بما يسمح باتخاذ قرار مناسب أو استجابة مناسبة تتقلص، مما يؤدى إلى إدراك جزئى للموقف أو إدراك مشوه، ويؤدى بالتالى إلى نقص فى مرونة الاستجابة، أو زيادة فى تصلبها، والتصلب يعنى الاتجاه لاستجابة روتينية لا تناسب الموقف الراهن، لأنها نجحت فى مواقف سابقة لا تشبه بالضرورة الموقف الراهن.
إن نشاط المخ يتحجم بالتهديد، وبالتالى فإن التعلم يضيق ويقل بالتهديد ، ويثرى بالتحدى الآمن.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

يضع أصحاب النظرية مفهوم التحدى الآمن، وهو توفير مناخ يتسم بالاستثارة، ويتطلب مزيداً من بذل الجهد، وفى ذات الوقت يتسم بالتدعيم والأمان وهذا المناخ يجب أن يسود الفصل الدراسى فالمناخ الرتيب الذى لا يثير التحدى يولد الملل، وكذلك المناخ الذى يبالغ فى إثارة التحدى يثير التهديد وكلاهما يعطل وظائف المخ فى التفكير .

المبدأ الثانى عشر: "كل مخ نظام فريد"

هناك خصائص عامة لدى البشر تشمل بناء المخ وفسيولوجياً الحواس، والانفعالات، والعواطف، ولكن تفاعل هذه الخصائص فيما بينها وتكاملها لكى تقوم بوظائفها فريد، ويتسم بالخصوصية والفردية؛ ولأن التعلم يغير فى هذه الخصائص، فإنه يغير فى بناء المخ، وبالتالى فإننا نتوقع أنه كلما تقدم التلاميذ فى مراحل التعليم، تعمقت الفروق بينهم، وتعمق التنوع فى حاجاتهم.

كيف نوظف هذا المبدأ فى النظام التعليمى ؟

هناك فروق بين التلاميذ فى أوجه القوة والضعف، فيما يفضلونه وما لا يفضلونه، وإذا كانت هذه الفروق حقيقة مُسلم بها، فكيف يمكن لنظام تعليمى أحادى التوجه أن يستجيب لهذا التنوع؟ إن التعليم الجيد يجب أن يكون متعدد الوسائط ومتنوع الأساليب والمناهج حتى يحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق